التسول بين الأسباب والحلول..سوريا ما بعد التحرير
تعد ظاهرة التسول من المظاهر الاجتماعية التي تنامت بشكل ملحوظ في سوريا، خاصة بعد سنوات الحرب الطويلة التي عصفت بالبلاد، لتصبح تربة خصبة لهذه الآفة. ورغم أن التسول موجود منذ زمن طويل، إلا أن آثار الحرب والعقوبات الاقتصادية الدولية جعلت منه مشكلة مزمنة تتطلب حلولًا عاجلة وفعّالة.
التسول لم يعد مقتصرًا على أسلوب طلب المال بشكل تقليدي. فقد تعددت أشكاله وأصبح يتنوع ليشمل العديد من الأساليب التي تستخدم لخلق صورة معينة أو لجذب تعاطف المجتمع. فهناك من يلجأ إلى الشتم والإساءة والازعاج، خاصة تجاه الفتيات، في حين يتخذ آخرون من الطرق والأرصفة مكانًا للنوم على قطع من الكرتون لزيادة حجم الشفقة نحوهم. بعض المتسولين يستغلون وضعهم الصحي ويظهرون مع أوراق طبية مزورة تدعي حاجتهم إلى عمليات جراحية، بينما يتقن آخرون التسلل بين الناس مستترين خلف أعمال بسيطة، مثل بيع العلكة أو الورود، ليُظهروا أنهم لا يتسولون بشكل مباشر، بل يعملون بكرامتهم.
وفي دراسة اجتماعية أجرتها صحيفة “تشرين”، تقدّر الأعداد الإجمالية للمتسولين في سوريا بحوالي 250 ألف شخص، منهم نحو 25 ألف طفل. تساؤلات كثيرة تثار حول الأسباب التي دفعت هؤلاء الأطفال للخروج إلى الشوارع. فالتسرب المدرسي، الفقر المدقع، التفكك الأسري، والبطالة المنتشرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، جعلت التسول بمثابة الخيار الوحيد للكثير منهم.
لكن من هو المسؤول عن هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن معالجتها؟
القانون السوري والتصدي للتسول
في إطار التصدي لهذه الآفة، أقر المشرع السوري عقوبات حازمة بحق المتسولين. حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (596) من قانون العقوبات على معاقبة المتسول بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، إضافة إلى غرامة مالية. أما في حال تبين أن المتسول ليس بحاجة فعلية، فإن العقوبة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنة مع دفع غرامة مالية تتراوح بين 10 إلى 25 ألف ليرة سورية.
وفي عام 2022، شدد القانون السوري العقوبات المتعلقة بالتسول، حيث ارتفعت الغرامات لتبدأ من 100 ألف إلى 500 ألف ليرة سورية، مع فرض عقوبة الحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات في حال لجوء المتسول إلى الشتم أو الضرب أو التظاهر بوجود عاهة.
حلول واقعية لمواجهة الظاهرة
من جهة أخرى، لا تقتصر الحلول على العقوبات فقط، بل تواكبها جهود اجتماعية من خلال الحملات التي تقوم بها الشرطة بالتنسيق مع مديرية الشؤون الاجتماعية. حيث يتم تنفيذ حملات دورية في الشوارع للقبض على المتسولين، مع دراسة كل حالة بشكل منفصل. إذا تبين أن الشخص بحاجة فعلية للمساعدة، يتم إحالته إلى جمعيات خيرية أو مراكز إيواء، بينما يتم إحالة غير المحتاجين إلى القضاء.
ورغم هذه الجهود، تظل المشكلة قائمة وتزداد تعقيدًا، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في أعداد المتسولين، وهو ما يجعل من الضروري تكثيف الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية.
هل ستكون الإجراءات كافية؟
في ضوء الواقع السوري ما بعد التحرير، يبدو أن التشديد على القوانين والعقوبات سيكون خطوة ضرورية، لكنها ليست كافية بمفردها. من الضروري أن تشمل الحلول أيضًا تعزيز برامج الدعم الاجتماعي، وتوفير فرص العمل، والحد من البطالة، وإعادة تأهيل الأفراد الذين اضطروا إلى التسول بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة.

ليلاس علوان الحموي
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram