الأربعاء 7 مايو 2025
مادة إعلانية

حسن الأسمر – حمص

منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، لم يكن للصحفيين السوريين رفاهية الجلوس خلف المكاتب أو انتظار البيانات الرسمية. كنا في قلب الميدان، نحمل الكاميرا بيد، والكرامة باليد الأخرى. لم نكن مجرد ناقلين للحدث، كنا جزءاً منه، نحمل دموع أمهات الشهداء، صرخات المعتقلين، وأنين المحاصرين في أزقة حمص، حلب، ودوما. كنا شهودًا على المذبحة، وحراسًا للحقيقة.

ثمن الكلمة كان الدم

عشرات الزملاء سقطوا شهداء وهم يوثقون جرائم النظام، بعضهم اغتيل، وآخرون تحت التعذيب في أقبية الفروع الأمنية. لم يكن أحدنا بمنأى عن القتل أو الاعتقال أو التهجير. ومع ذلك، استمررنا. لأن الكلمة الحرة لا تُهزم. لأننا نؤمن أن الصورة الصادقة أقوى من ألف طلقة، وأن شريطًا مصورًا قادر على فضح براميل الأسد أكثر من أي تقرير دولي صامت.

التحرير.. بداية المعركة الأصعب

قد يظن البعض أن سقوط النظام يعني نهاية المعاناة، لكن الحقيقة أن اللحظة الأصعب بدأت حين تحررت الأرض، وبقيت العقول رهينة سنوات من التشبيح والدعاية السوداء. وجدنا أنفسنا أمام تحدٍ جديد: كيف نبني إعلامًا حرًا يخاطب شعبًا تربّى لعقود على الخوف والكذب والتصفيق الإجباري؟

واجهنا رفضًا، تخوينًا، واتهامات من أشخاص ظلوا لسنوات أسرى لمنظومة إعلام النظام التي شيطنت كل من حمل الكاميرا في وجه الظلم. لكننا لم نتراجع. بدأنا نغرس بذور الإعلام الثوري الحقيقي: إعلام يحاسب ولا يُبايع، يسأل ولا يُمجّد، يطرح القضايا لا يدفنها، يعيد للصحافة معناها الحقيقي بعد أن اختطفها النظام وجعلها بوقًا لا يرى ولا يسمع سوى ما يريد الأسد.

الإعلام الثوري.. نقيض التشبيح

لسنا امتدادًا لإعلام النظام، ولسنا نسخًا جديدة عن مذيعين اعتادوا قراءة تعليمات المخابرات على الهواء. نحن إعلاميو ثورة، لا نتلقى الأوامر من فوهة البندقية، ولا نُغيّب الحقيقة لمصلحة “الزعيم”. الإعلام الثوري هو صوت الناس، لا سلطة عليه سوى ضميرنا، ولا ولاء لنا إلا للحرية والعدالة.

نحو دولة تُحترم فيها الكلمة

نحن اليوم أمام مسؤولية جسيمة: بناء إعلام وطني حر، يُربي أجيالًا على التفكير النقدي، لا التبعية. إعلام لا يخاف من طرح الأسئلة، ولا يكتفي بترديد الشعارات. إعلام يؤمن أن الصحافة سلطة رابعة، لا خادمة للسلطة. وأن الكلمة الحرة هي حجر الأساس في بناء الدولة الجديدة التي نحلم بها: سوريا بلا سجون، بلا إعلام رسمي، بلا أصنام مقدسة.