السبت 3 مايو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – علاء ضاحي

شهدت العديد من الدول العربية خلال العقدين الأخيرين ثورات تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.

لكن مواجهة إرث الأنظمة القمعية في هذه الدول لا تكتمل دون خطوات جادة نحو تحقيق العدالة الانتقالية؛ فهي عملية تهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وتحقيق المحاسبة، وجبر الضرر، وبناء نظام ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات، ويمنع تكرار الجرائم.

ورغم أهمية هذا المسار، إلا أنه لا يزال غائباً عن العديد من الدول، لا سيما التي عاشت صراعات دامية، حيث بقيت الانتهاكات دون مساءلة.

في سوريا، مثلاً، تجثم العدالة المؤجلة فوق جراح لم تلتئم.

مئات آلاف الضحايا والمعتقلين والمهجرين، ودمار طال المدن والمجتمعات، في ظل غياب أي خطوات رسمية نحو المحاسبة أو على الأقل تشكيل وتفعيل لجان تحقيق وطنية.

ورغم المطالبات المستمرة من منظمات حقوقية سورية ودولية، ما زالت العوائق السياسية تعيق فتح هذا الملف.

أهمية العدالة الانتقالية:

العدالة الانتقالية ليست مجرد استجابة للأزمات، بل أداة لتضميد جراح المجتمع.

إنّ تطبيق العدالة الانتقالية يعزز من الثقة بين الحكومة والمواطن، ويعمل على تحقيق المصالحة الوطنية.

كما أنه يسهم في منع حدوث انتهاكات مستقبلية ويساعد في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان.

في سياق نزاعات أخرى اشتغل العديد من المفكرين السياسيين على فكرة العدالة الانتقالية وأهميتها، نذكر منهم مارثا نوسباوم التي تقول: “العدالة الانتقالية تعمل على توفير مساحة للشفاء والاعتراف بالمعاناة، ما يسمح للمجتمعات بإعادة بناء الثقة التي تهدمها انتهاكات الماضي.” “أمارتيا سن” أكدت في (شو الكتاب أو المقالة) أن “التنمية المستدامة تأتي من العدالة، والعدالة لا يمكن أن تكون موجودة دون مواجهة الماضي؛ إنه شرط أساسي لبناء مجتمعات قوية.”

في حين ، تلخص “أوما لودوتي” مهمة العدالة الانتقالية عندما تقول: “إن العدالة الانتقالية ليست اختزالاً للألم، بل هي فرصة لتوجيه الطاقة السلبية نحو التغيير الإيجابي.”

كما تُشكل العدالة الانتقالية جزءًا أساسياً من أي عميلة تحول ديمقراطي.

يمكن الاستفادة من نماذج الثورات التي طبقت العدالة الانتقالية خصوصاً بعد “الربيع العربي” و منها:

  1. ثورة تونس (2010-2011):
    كانت تونس من أوائل الدول التي شهدت ثورة ضد النظام القمعي. بعد سقوط النظام؛ إذ تم إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة، التي عملت على معالجة الانتهاكات السابقة وضمان حقوق الضحايا.
  2. ثورة مصر (2011):
    عقب الثورة، تم تشكيل لجان للتحقيق في قضايا الفساد والانتهاكات. ورغم أن عملية العدالة الانتقالية واجهت تحديات بما في ذلك الضغوط السياسية، كانت هناك محاكمات لبعض رموز النظام السابق، لكن الحاجة ما تزال قائمة لوضع آليات شاملة لمزيد من العدالة.
  3. ثورة ليبيا (2011):
    بعد الإطاحة بنظام القذافي، عانت ليبيا من فوضى سياسية. تم إرساء دعائم العدالة الانتقالية من خلال قانون العدالة الانتقالية، الذي هدف إلى تقديم مرتكبي الانتهاكات إلى المحاكمة، رغم التحديات المستمرة لتحقيق الأمن والاستقرار.
  4. ثورة اليمن (2011):
    عُقدت العديد من المؤتمرات لتطبيق العدالة الانتقالية، بما في ذلك الحوار الوطني، الذي قُدمت خلاله توصيات لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الوضع السياسي المعقد أثر بشكل سلبي على تنفيذ هذه التوصيات.

غياب العدالة لا يعرقل تحقيق السلام فقط، بل يهدد أي محاولة لبناء مجتمع متماسك. لقد أكدت التجارب العالمية أن العدالة الانتقالية ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة إنسانية لضمان مستقبل يحترم كرامة الإنسان ويعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.

يبقى السؤال: هل يمكن للعدالة ان تداوي جراح الثورات حين يفتح الحسابات القديمة؟