الثلاثاء 3 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور

في قاعة محكمة ألمانية تبعد آلاف الكيلومترات عن سوريا تُفتح من جديد جراح الذاكرة السورية، ضحايا نجوا من أقبية الموت يعيدون رواية ما جرى لهم، وهذه المرة ليس في تقرير حقوقي أو فيلم وثائقي، بل أمام قضاة ونظام قضائي يسعى لتحقيق العدالة، الطبيب الذي كان يُفترض أن يكون ملاذًا للمصابين يقف اليوم متهمًا باستخدام مهنته أداةً لتعذيب وإذلال المعتقلين

حيث تجري في المحكمة الإقليمية العليا بمدينة فرانكفورت الألمانية محاكمة الطبيب السوري علاء موسى، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال عمله في المستشفيات العسكرية التابعة للنظام البائد بين عامي 2011 و2012.

و تطالب النيابة العامة الألمانية بالحكم عليه بالسجن المؤبد، مع فرض احتجاز وقائي مشدد وحظر دائم لممارسة المهنة، ومن المتوقع صدور الحكم في 16 يونيو 2025

ويواجه موسى اتهامات تشمل القتل العمد، والتعذيب، والاعتداء الجسدي والنفسي بحق معتقلين سياسيين.

ومن بين الوقائع المنسوبة إليه يُزعم أنه أضرم النار في الأعضاء التناسلية لمراهق يبلغ من العمر 14 عامًا، وحقن سجينًا بمادة قاتلة، وأجرى عملية جراحية لمعتقل دون تخدير، كما يُتهم بحرمان المرضى من الأدوية الضرورية لحياتهم، وتعليق أحدهم من السقف أثناء التعذيب

وصل موسى إلى ألمانيا في عام 2015، حيث عمل كطبيب عظام في عدة مستشفيات، آخرها في باد فيلدونغن، في صيف 2020 تم التعرف عليه من قبل ضحايا في فيلم وثائقي عن حمص، مما أدى إلى اعتقاله في يونيو 2020، ومنذ ذلك الحين وهو قيد الاعتقال الاحتياطي

وتستند محاكمة موسى إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية في القانون الجنائي الدولي، الذي يسمح بملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان ارتكابها، وتُعد هذه المحاكمة جزءًا من جهود ألمانيا لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خاصة في سياق النزاع السوري

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحاكمة تأتي بعد حكم محكمة كوبلنز بالسجن المؤبد على أنور رسلان، ضابط المخابرات السوري السابق، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، تُعتبر هذه المحاكمات خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات

العدالة لا تسقط بالتقادم

إن محاكمة الطبيب علاء موسى مثل محاكمة أنور رسلان من قبل تمثل بارقة أمل للضحايا الذين ظنوا أن معاناتهم طُويت إلى الأبد، فهي تؤكد على أن العدالة وإن تأخرت إلا أنها تبقى ممكنة عندما تتوفر الإرادة القانونية والضمير الإنساني، وربما تفتح هذه المحاكمات الباب أمام بناء مسار عدالة انتقالية في سوريا مستقبلاً، لا يكتفي بتوثيق الجرائم بل يعمل على إنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة، تمهيدًا لمصالحة حقيقية تضع حدًا لدورات العنف والانتقام.