نظافة حمص بين الواقع المرير وأمل التغيير
يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور
شهدت مدينة حمص خلال الفترة الأخيرة جهوداً كبيرة لاستعادة ملامح الحياة الطبيعية بعد سنوات الحرب الطويلة، حيث تُعدّ النظافة العامة أحد أبرز التحديات التي تواجه المدينة في ظل زيادة الكثافة السكانية وتضرر البنية التحتية وغياب الإمكانات الكافية لمواكبة التغيرات السريعة على الأرض.
وقدّم المهندس عماد الصالح مدير النظافة في مجلس مدينة حمص تقييماً صريحاً لوضع النظافة الحالي في المدينة وبدأ بتوضيح أن النظافة هي “شغلة شو ما عطيتها بتعطيك” مشيراً إلى أن تقييم مستوى النظافة لا يمكن أن يكون موحداً في جميع الأحياء لأن لكل منطقة ظروفها وتحدياتها.
وبيّن الصالح أن الفرق في نظافة الشوارع لا يعود بالضرورة إلى تمييز بالخدمة بل إلى تفاوت البنية التحتية فالشوارع المعبدة والمجهزة تظهر فيها نتائج النظافة بشكل أوضح من الشوارع الترابية أو المدمرة.
أسباب تراكم النفايات وواقع الكوادر والآليات:
أوضح الصالح أن كمية النفايات اليومية في المدينة ارتفعت بعد التحرير من 600 إلى 700 طن لتصل حالياً إلى 1200 أو 1300 طن يومياً نتيجة عودة السكان وزيادة النشاط التجاري بينما لم يُعزَّز الكادر البشري أو التقني لمواكبة هذه الزيادة واضطرت المديرية إلى مضاعفة الجهود من خلال تكليف العمال بورديتين وتشغيلهم بساعات عمل إضافية إلى جانب التعاقد مع القطاع الخاص لدعم أعمال النظافة في بعض المناطق.
وأشار إلى أن البنية التحتية لا تزال متضررة بشكل كبير وأن حوالي 60% من الحاويات حالتها متوسطة و10% فقط جيدة بينما الباقي متهالك ويحتاج استبدالًا، كما تفتقر الشوارع لسلال المهملات الصغيرة المخصصة للنفايات الخفيفة مثل المحارم وأغلفة المواد الغذائية.
أما فيما يخص الآليات فأحدث سيارة ضاغطة تعود لعام 2006 رغم أن عمرها التشغيلي يفترض أن يكون عشر سنوات فقط، وبيّن أنه تم استلام ثلاث آليات جديدة مؤخراً بدعم من المحافظة للمساهمة في ترحيل القمامة.
تفاوت النظافة بين الأحياء والتلوث البصري:
أشار الصالح إلى أن خدمات النظافة تُقدَّم لكافة أحياء حمص بشكل شبه موحَّد لكن البنية التحتية المتفاوتة تجعل نتائج النظافة تبدو مختلفة من حي لآخر وشرح أن التلوث البصري الناتج عن النفايات الخفيفة مثل الأكياس والمحارم يعطي انطباعاً سلبياً عاماً رغم كونه أقل خطورة من التلوث الحقيقي المرتبط بتراكم القمامة العضوية.
وذكر أن المدينة تضم ثلاث مكانس آلية تعمل على المحاور الرئيسية بالإضافة إلى فرق يدوية من عمال النظافة يغطون الأسواق والشوارع التجارية وبعض المناطق السياحية إلا أن هذا الكادر غير كافٍ لتغطية كامل المدينة مما يتطلب تحديثاً شاملاً على مستوى البنية والكادرث معاً.
الأنقاض كأحد أبرز التحديات اليومية:
فصّل الصالح في قضية الأنقاض التي تُعد من أعقد المشكلات اليومية مشيراً إلى نوعين منها، الأول هو الأنقاض الناتجة عن الحرب مثل السواتر والمباني المدمرة وقد أُزيلت من نحو 90% من الشوارع والثاني ناتج عن عودة السكان لأحيائهم المتضررة حيث يقومون بترميم منازلهم بشكل فردي مما ينتج عنه ركام جديد يُقدّر حالياً بين 300 إلى 400 ألف متر مكعب موزع في شوارع المدينة.
العقبات القانونية والثقافية في وجه النظافة:
تحدث الصالح عن عائقين أساسيين أمام تحقيق واقع نظافة مستدام الأول هو ضعف ثقافة النظافة لدى بعض المواطنين والثاني هو غياب الردع القانوني الفعّال وأوضح أن حملات التوعية ضرورية ويجب أن تُنفذ عبر المدارس والمساجد والمجتمع المحلي لكن من دون وجود قانون نافذ وفعّال لن يكون الالتزام كافياً.
وأوضح أن القانون رقم 49 لعام 2004 غير قابل للتنفيذ العملي لأن الغرامات المحددة فيه تتراوح بين 750 و3500 ليرة وهي مبالغ لم تعد تشكل رادعاً حقيقياً اليوم بعد التغير في القيمة الشرائية وأن المديرية لا تمتلك صلاحيات التطبيق مما يضعف من جدوى هذا القانون.
مبادرات تطوعية ومشاريع دعم قائمة حالياً:
أشاد الصالح بدور المجتمع المحلي والمبادرات التطوعية التي نشطت بعد التحرير مؤكداً على وجود تعاون كبير من الأهالي والمنظمات وأوضح أن المديرية تنفذ حالياً مشروعاً بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP يشمل 90 عاملاً موزعين على ثلاث فرق تعمل في أحياء جب الجندلي وجورة الشياح والوعر.
كما تم الانتهاء من تنظيف أحياء حمص القديمة وجزء من حي الحميدية ويتم حالياً الإعداد لنقل فرق العمل إلى أحياء جديدة بحسب الحاجة وبيّن أن المديرية طلبت تمديد المشروع ليشمل أحياء أخرى تعرضت للدمار.
ختاماً.. يعكس حديث مدير النظافة حجم التحديات اليومية التي تعاني منها مدينة حمص في سبيل استعادة بيئة نظيفة تليق بسكانها ورغم محدودية الإمكانيات فإن روح المبادرة المجتمعية ووضوح الرؤية لدى الجهات المعنية يشكلان قاعدة يمكن البناء عليها للوصول إلى شوارع أنظف وواقع بيئي أكثر احتراماً للإنسان والمكان.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram