ارتفاع الإيجارات يُجبر الباعة على افتراش الأرصفة
يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور
باتت أرصفة مدينة حمص ملاذ العشرات من الباعة الذين يفترشونها على أمل رزق يومي يسد رمق العيش.
هم أصحاب البسطات، عمال اليوم الواحد الذين لا يملكون محالاً تجارية، ولا عقوداً ثابتة، بل يعتمدون على ما تجود به الأيام.
ورغم بساطة تجارتهم، إلا أن الواقع الذي يواجهونه لا يخلو من التحديات، سواء كانت إدارية أو اقتصادية أو حتى إنسانية.
أوضح أحمد نواف، أحد الباعة، أن أكبر التحديات التي يواجهها هي التنقل المستمر وعدم القدرة على الاستقرار في موقع محدد، حيث تُمنع البسطات من بعض المناطق وتُطلب منهم المشاركة في البازارات.
“التنقل من مكان إلى آخر يحمّلنا تكاليف عالية، خصوصًا أجور نقل البضاعة، وأحيانًا لا نغطي حتى هذه التكاليف، مما يجعل العمل بلا جدوى اقتصادية”.
وأشار إلى أن بعض المناطق التي يُطلب منهم البيع فيها لا تشهد حركة تجارية نشطة، الأمر الذي يؤثر على المبيعات سلبًا، موضحًا أن البسطة الدائمة أفضل من بازار موسمي غير فعّال.
البازارات: فرصة محدودة أم عبء إضافي؟
من وجهة نظر أبو محمود، فإن كثيرًا من الباعة لا يملكون خيارًا سوى العمل على بسطات بسيطة، معتبرًا أن إنشاء البازارات لا يُعد حلاً فعليًا إذا لم يُرافقه دعم حقيقي.
“تكاليف النقل إلى هذه البازارات مرتفعة، والزبائن غالبًا لا يتمكنون من الوصول إليها، ما يقلل من فرص البيع ويضعف الدخل اليومي”.
لكنه يرى في عمله إنجازًا شخصيًا، مضيفًا: “النجاح الأكبر بالنسبة لي أنني استطعت إعالة أسرتي بجهدي، دون الحاجة للديون أو طلب المساعدة”.
ويقترح حلاً واضحًا: “لو تم توفير كولبات”أكشاك” صغيرة بنظام إيجار معقول، لكان الوضع أكثر استقرارًا وعدلاً”.
من المحل إلى الرصيف… وقصة فقدان الأمل:
فارس نور الدين، بائع آخر، كانت له تجربة مختلفة، بعد أن اضطر لإغلاق محل تجاري لبيع الأحذية بسبب ارتفاع الإيجارات وقلة حركة البيع، عاد إلى العمل كبائع متجول.
“أصغر محل بحارة شعبية صار يطلبوا عليه 400 أو 500 دولار شهريًا، وهذا رقم خيالي بالنسبة لناس مثلنا ولو معنا هالمبلغ كنا فتحنا محل بدل ما نوقف تحت الشمس”.
وأضاف: “أنا من الناس اللي كانوا عندهم محل وتركوه واليوم رجعت للبسطة، وماحققت أي نجاح… بالعكس، خسرت كتير.”
ورغم حديثه عن تحسّن نسبي في الأسعار بعد تغيير النظام، حيث أشار إلى أن “الأسعار اليوم صارت تقريبًا بالنصف مقارنة بالسابق”, إلا أن النظرة العامة لديه قاتمة.
“ما ئلنا مستقبل… أي صاحب بسطة معرض بأي لحظة يجي حدا ويقله شيل، وفي الشتوية ما منقدر نشتغل أبدًا، البرد والمطر بيحبسونا بالبيت، نحن نعيش يوم بيوم”.
طلب بسيط… ومكان دائم
أبو حسام، بائع عبّر عن رغبته بالحصول على “براكية” صغيرة في حي الوعر ليتمكن من الاستقرار وبيع مأكولات، لكنه لم يلقَ تجاوبًا حتى الآن.
“وضعنا مؤقت، ومصيرنا دايمًا معلق، مددولنا لنهاية العيد بس، وبعدها الله أعلم وين نروح، أقل شي بدنا مكان صغير نشتغل فيه بشرف.”
خاتمة: بين الحاجة والواقع:
قصص أصحاب البسطات تختلف في التفاصيل، لكنها تتفق في جوهرها، البحث عن الاستقرار وفرصة عمل كريمة، في ظل التحديات الاقتصادية والإدارية الراهنة، تبقى هذه الفئة بحاجة إلى تنظيم ودعم حقيقي لا يقتصر على فرض القوانين، بل يتعداه إلى توفير حلول مرنة تحفظ كرامتهم وتضمن استمرار مصدر دخلهم.
فهل يجد هؤلاء الباعة من يسمع صوتهم قبل أن تسرقهم الشوارع أكثر مما أعطتهم؟
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram