الأحد 8 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور

في الثامن من حزيران 2019، رحل صوت من أنقى أصوات الثورة السورية، استشهد الشاب عبد الباسط الساروت، أحد أبرز رموزها، وصوتها الذي لم يخفت، حتى بعد استشهاده بستة أعوام، ما زال اسمه يتردد في القلوب قبل الحناجر، كأيقونة جمعت بين الرياضة والنشيد والسلاح، بين الفن والميدان، بين الدم والصوت، حتى عُرف بلقب حارس الثورة السورية.

من الملعب إلى الثورة:
وُلد عبد الباسط ممدوح الساروت في 1 يناير/كانون الثاني 1992 في مدينة حمص لعائلة بدوية فقيرة، من أب حمصي وأم من أصل جولاني نزحت عائلتها بعد الاحتلال الإسرائيلي للجولان ونشأ في حي البياضة بين ستة إخوة وثلاث شقيقات، وترك مقاعد الدراسة مبكراً ليتألق في ملاعب كرة القدم، حتى أصبح حارس مرمى لنادي الكرامة ومنتخب سوريا للشباب، وحاز على جائزة ثاني أفضل حارس مرمى في آسيا.

ومع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، لم يتردّد ابن التسعة عشر عاماً في ترك الملاعب والانضمام للمتظاهرين، ليرفع صوته مع أصواتهم، ويقود الحناجر بأهازيج الثورة التي سرعان ما باتت تُسمع في كل المدن.

قائد الحناجر:
أصبح الساروت من أوائل من كشفوا وجوههم في المظاهرات، متحدياً القبضة الأمنية للنظام البائد، فلاحقته التهديدات، وعُرضت عليه تسوية أمنية مغرية مقابل ولائه، لكنه رفض رفضًا قاطعاً الطريق على أي مساومة وقال حينها:
“أنا لو رجعت عن الثورة، بحسّ ما بستاهل أعيش.”

في الساحات، ردد الناس خلفه:
“الموت ولا المذلّة!”

تحوّلت عباراته إلى نشيد يومي للثوار، وصوته إلى ما يشبه نبض الشارع، يغني للحرية، ويودّع الشهداء، ويرفع المعنويات تحت القصف والحصار.

من الصوت إلى السلاح:
في بداية عام 2012، وبعد تصاعد العنف والمجازر، اضطر الساروت لحمل السلاح، وأسّس مع رفاقه “كتيبة شهداء البياضة” للدفاع عن حمص وقاتل في الصفوف الأولى، وأصيب أكثر من مرة، وفقد أربعة من إخوته، لكنه واصل المشوار. قال في إحدى كلماته:
“هي الثورة ما إلها حل… إلا النصر.”

وحين حوصر في حمص لمدة قاربت 700 يوم، بقي صامداً رغم الجوع والحصار وبعد التهجير القسري في أيار 2014، غادر حمص إلى ريفها الشمالي، ثم واجه اتهامات بالتطرف، وهجمات من بعض الفصائل، لكنه نجا، وخرج إلى تركيا لفترة قصيرة قبل أن يعود إلى الشمال السوري.

العودة والرحيل:
عاد الساروت إلى سوريا، واعتُقل لفترة لدى “هيئة تحرير الشام” في 2017، ثم أفرج عنه، وعاد للقتال في ريف حماة الشمالي وفي بداية حزيران 2019، أصيب بجراح بالغة خلال معركة مع قوات النظام، ونُقل إلى تركيا حيث فارق الحياة في 8 حزيران.
نُقل جثمانه إلى إدلب، ودُفن في جنازة ضخمة شيّعها الآلاف، وأقيمت عليه صلوات الغائب ومجالس عزاء في مدن سورية وعربية عدّة ورُفعت رايات كتب عليها:
“سوريا أم الأبطال.. هي قبرهم.”
“بنَهج عمر وأبو بكر حنّا نجي.”

باقٍ في الذاكرة:
لم يكن عبد الباسط الساروت مجرد مقاتل أو مغنٍّ ثوري، بل كان روح الثورة النقيّة، التي حافظت على مبادئها رغم الانكسارات، وعبّر عنها حين قال:
“حانن للحرية حانن.. يا شعب ببيتو مش آمن”

وفي ذكرى استشهاده، يبقى صوته مشتعلاً في ضمير السوريين، يذكّرهم بأن “الثورة ثورة شعب، وبعمره ما فشل الشعب”.