الخميس 12 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا _ رنيم سيد سليمان

تقدّمَ “محمد الشعار” داخل المنظومة الأمنية السورية حتى أصبح واحداً من أبرز رموز القمع في عهد الساقط بشار الأسد، لا بصفته موظفًا إداريًا، بل كعقل أمني متورط في سياسات الاعتقال والتعذيب والإعدام والتجويع والتهجير.

بدأ مسيرته الأمنية من لبنان كمسؤول أمني في مدينة طرابلس، ثم تدرّج في مفاصل السلطة الأمنية الحساسة، فتولى رئاسة فرع الأمن العسكري في طرطوس، ثم حماة، ثم حلب، ليُعيَّن لاحقاً رئيساً لفرع المنطقة 227 التابع لشعبة المخابرات العسكرية، ثم رئيساً لإدارة الشرطة العسكرية، وصولاً إلى منصب وزير الداخلية في حكومة الأسد، حيث تضاعف حجم الانتهاكات وتحوّلت الوزارة تحت قيادته إلى ذراع رئيسية في قمع السوريين.

لم تكن جرائمه لحظية أو فردية، بل ممتدة ومنظّمة، وموثقة بالأرقام والشهادات، تجعل من محاسبته استحقاقاً قانونياً وأخلاقياً لا يسقط مهما طال الزمن.

سجل أسود من الجرائم ضد الإنسانية ومسؤولية قانونية لا تسقط بالتقادم، وزارة الداخلية في عهد الشعار مسؤولة عن أكثر من ربع مليون انتهاك توجب المحاسبة الحتمية.

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً يُبرز أن اللواء محمد الشعار، وزير الداخلية في عهد نظام المخلوع بشار الأسد، يمتلك سجلاً أسوداً من الجرائم ضد الإنسانية، ومسؤولية قانونية لا تسقط بالتقادم.

ووفقاً للبيانات الموثقة، تتحمل وزارة الداخلية خلال فترة توليه مسؤوليتها ارتكاب 256,364 انتهاكاً لحقوق الإنسان.

الشعار، بصفته وزيراً للداخلية، كان مشرفاً مباشراً على سياسات القمع الممنهج، والتي شملت:
القتل خارج نطاق القانون، الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، التعذيب، قتل المعتقلين أثناء حالات الاستعصاء، التواطؤ في الإعدامات غير القانونية، المشاركة في التهجير القسري في المناطق المحاصَرة.

كما شاركت الوزارة، تحت قيادته، في تنفيذ قرارات المحاكم الاستثنائية مثل محكمة الميدان العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب، مما أسفر عن مصادرة ممتلكات، وإصدار قرارات منع السفر، والتلاعب بسجلات المختفين قسرياً.

تُظهر قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الوزارة ارتكبت، خلال قيادة الشعار، أنماطاً ممنهجة من الانتهاكات على النحو التالي:

  • مقتل 10,452 مدنياً، بينهم 803 أطفال و737 سيدة، خلال عمليات قمع التظاهرات.
  • مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً تحت التعذيب داخل أفرع الأمن الجنائي.
  • اختفاء ما لا يقل عن 326 شخصاً داخل هذه الأفرع.
  • مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً تحت التعذيب داخل أفرع الأمن السياسي.
  • اختفاء ما لا يقل عن 1,459 شخصاً داخل أفرع الأمن السياسي.
  • ١,٦٠٨ حالات اعتقال أثناء زيارة دوائر الهجرة والجوازات، بينهم أطفال ونساء وأشخاص أجْروا تسوية.
  • مقتل 110 معتقلين داخل السجون المدنية، منهم 93 بسبب التعذيب والإهمال الطبي.
  • تواطؤ الوزارة في تنفيذ أحكام إعدام بحق 843 عنصراً وضابطاً من الشرطة المنشقين.
  • مصادرة ممتلكات عبر تنفيذ 11,267 إجراءً تعسفياً.
  • إصدار 115,836 تعميماً بمنع السفر.
  • إصدار 112,000 مذكرة بحث عن معارضين.
  • ١,٦٦١ مختفياً قسراً سُجلوا كمتوفين رسمياً بين 2018 و2024.

إلى جانب ذلك، ساهمت وزارة الداخلية بشكل فعّال في عمليات التهجير القسري، وحرمان عشرات الآلاف من الحصول على الوثائق الرسمية، وابتزازهم مادياً.

المسؤولية القانونية

وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يتحمل الشعار مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عن هذه الانتهاكات:

المباشرة: عندما يكون قد أصدر أوامر أو وافق على الانتهاكات أو علم بها ولم يتخذ أي إجراء.
غير المباشرة: كونه مسؤولاً عن أفعال مرؤوسيه دون اتخاذ تدابير للمنع أو المحاسبة.

رؤية الشبكة السورية لحقوق الإنسان:

“لا يمكن بأي حال من الأحوال مسامحة أو العفو عن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة من قيادات الصف الأول في نظام الأسد، مهما حاولوا تبرير أفعالهم أو التنصل من مسؤولياتهم… العدالة الحقيقية تقتضي محاسبتهم وفقاً للقانون، وإنصاف الضحايا وأسرهم، لضمان عدم تكرار هذه الفظائع في المستقبل.”

توصيات إلى الحكومة الانتقالية السورية:

  1. محاسبة اللواء محمد الشعار:
    اتخاذ الإجراءات القانونية وفق المعايير الدولية، رفض منحه أي حصانة سياسية أو قانونية.
    ٢. فتح تحقيق شامل في انتهاكات وزارة الداخلية وجميع أجهزتها الأمنية.
    ٣. حماية حقوق الضحايا وتوفير التعويضات، والدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للناجين.
  2. إصلاح وزارة الداخلية:
    تفكيكها وإعادة هيكلتها، إخضاعها لرقابة مستقلة،استبعاد المتورطين في الجرائم.
    ٥. إلغاء الإجراءات القمعية الصادرة عنها:
    مثل مصادرة الممتلكات ومنع السفر والملاحقات الأمنية.
    ٦. تكثيف الجهود الدولية:
    التعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لضمان محاسبة محمد الشعار، دعم المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لجمع الأدلة.
    ٧. إنشاء آلية وطنية للعدالة الانتقالية:
    لتوثيق الجرائم ومحاسبة الجناة، وضمان عدم تكرار المأساة السورية.

لا يمكن بناء مستقبل آمن وعادل في سوريا دون محاسبة حقيقية للمسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين، وفي مقدمتهم محمد الشعار. إن الإفلات من العقاب يكرّس ثقافة الجريمة ويمنح القتلة شرعية زائفة، بينما العدالة وحدها تضمن كرامة الضحايا وتعيد الثقة بالقانون.
فهل سيأتي اليوم الذي يقف فيه محمد الشعار أمام العدالة لينال جزاءه؟