الجمعة 6 يونيو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – رنيم سيد سليمان

في زمنٍ ضاعت فيه البوصلة، واشتدت الفوضى، باتت الإشاعة أخطر من الرصاصة، نعيش اليوم مرحلة ما بعد الثورة، حيث يُفترض أن نعيد بناء الثقة والمجتمع، لكن بدلًا من ذلك، نجد أنفسنا أمام موجة خطيرة من التشهير، والافتراء، والاغتيال المعنوي.

اليوم، الخميس 22 أيار/مايو، رأيت منشورًا في أحد الجروبات، كُتب باستخدام خاصية “النشر بإسم مجهول”، يهاجم شخصًا أعرفه تمام المعرفة: “سامر الهنداوي”.

اتهامات ثقيلة أُلقيت عليه دون أي دليل، تصفه بأنه كان عنصرًا في الدفاع الوطني، اليد اليمنى لمجرم سابق، ومخبرًا لدى أجهزة الأمن.

من كتب هذا؟ لا نعلم. ما دليله؟ لا يوجد. لكنها الكلمة السهلة، والضغط السريع على زر “نشر”، ثم ينتشر السم بين الناس.

هنا الحق لا يقع فقط على من كتب المنشور، المسؤولية الأكبر تقع على عاتق مسؤولي الصفحات والجروبات الذين يفتحون الباب للنشر بأسماء مجهولة ومحرضة دون تحقق أو رقابة.

عندما تُترك هذه الخاصية مفتوحة دون ضوابط، فإنها تتحول إلى منصة اغتيال معنوي وتصفية حسابات لا أكثر.

لمحة بسيطة عن سامر:

“سامر الهنداوي” ليس غريبًا على من يعرف معنى الثورة وقيمها، من يعرفه يدرك أنه ابن الثورة يوم كانت موقفًا لا مصلحة، وصوتًا حرًا لا صفقة.

وقف في الصفوف الأولى بحي “الخالدية” في حمص، أول أحياء شرارة الثورة، ولم يساوم يومًا على دم رفاقه أو كرامة شعبه، حين تاجر كثيرون بكل شيء.
عُرف بأخلاقه ونخوته وفعله للخير خالصًا لوجه الله، فلا عجب أن تزعج الحقيقة من اعتادوا تزويرها.

هنا تكمن الخطورة:

حين نسمح لأنفسنا، ولغيرنا، أن يستخدموا خاصية “النشر بإسم مجهول” لتصفية حساباتهم الشخصية، فإننا نفتح أبواب الفتنة، ونخلق جوًا سامًا يخنق المجتمع. فالكلمة الكاذبة تُحرّض، وتُشوّه، وقد تقتل.

الصادق حقًا، من يملك ما يقول ويؤمن به، لا يلجأ للاختباء خلف خاصية “النشر باسم مجهول”، فمن يحمل الحقيقة لا يخشى إعلان اسمه، ولا يخاف أن يظهر بوجه مكشوف، أما من يختبئ خلف الظلال، فلا يحمل إلا الريبة، وتفضحه نيّته قبل كلماته.

الافتراء في الخفاء لا يدل على الشجاعة، بل على نية خبيثة وحجة ضعيفة.

فمهما بلغت الخصومة أو الكراهية، لا يحق لأحد أن يشوّه سمعة إنسان أو يعرّض حياته للخطر. هذه ليست حرية رأي، بل انحدار إلى مستوى خطير من الانفلات الأخلاقي.

نحن اليوم بأمسّ الحاجة لمحاربة هذه الفوضى، لاتغذيتها:

نحتاج لوعي جمعي يرفض الانجرار وراء كل منشور بلا مصدر، نحتاج لشجاعة أن نقول: “توقفوا عن نشر السموم”، نحتاج لمجتمعات ترفض “الخاصيات الوهمية”، وترفض تحويل صفحات التواصل إلى ساحات تصفية وتشويه.

علينا أن نتأكد من صحة الخبر، فليس كل ما يُذاع صحيحًا، يكفي أن يُنشر المنشور باسمٍ مجهول حتى يُسقط عنه المصداقية.
لن تُبنى الأوطان إلا بالوعي، ولا تحيا المجتمعات إلا بالصدق. فلنكن جزءًا من الحل، لا جزءًا من الفوضى.