الأحد 27 يوليو 2025
مادة إعلانية

يلا سوريا – بدر المنلا

بينما كانت الدولة السورية تحاول فتح ابواب التهدئة وتفادي الصدام مع ميليشيا الهجري في محافظة السويداء، كانت ميليشيا الهجري تصرّ على إشعال فتيل معركة لا ضد الفساد أو الظلم كما تزعم، بل ضد كيان الدولة ذاته، وضد كل من يرتدي بزّتها الرسمية.
لم تكن المواجهة سياسية، بل مشروعاً لفك الارتباط مع سوريا، ولتصفية كل ما يرمز إلى وجودها في المحافظة.

إهانة الجسد.. واغتيال الشهادة

من بين أكثر المشاهد قسوة وهمجية، تداول السوريون صورًا لجثامين جنود من الأمن العام، مكدّسة داخل جرافة في أحد شوارع السويداء.
كان المشهد تجسيداً للفجور الأخلاقي والسقوط الإنساني في قعرٍ لا قرار له.
لم تكتفِ الميليشيا بقتل الجنود، بل مضت في إذلالهم بعد الموت: حرق للجثث، تمثيل بها، واحتفاء بالموت لا يليق بإنسانية ولا بقضية.

ما حصل هو جريمة حرب مكتملة الأركان، موثقة بالصوت والصورة: رؤوس مقطوعة، جثث متفحمة، أطفال أُعدموا ميدانيًا، وشهداء جرى التنكيل بهم على مرأى الكاميرات، في خرق فاضح لكل قوانين الحرب، ولكل ما تبقى من الضمير العالمي.

إحصائية الدم: 558 قتيلاً حتى الآن

وفقًا لأحدث تقارير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (الصادر قبل خمسة أيام)، بلغ عدد القتلى في أحداث السويداء الأخيرة:
• 558 قتيلاً من مختلف الأطراف
• 17 سيدة
• 11 طفلاً
• 6 من الكوادر الطبية
• 4 إعلاميين، بينهم اثنان قُتلا في كمين قبل يومين

هذه الأرقام، التي تشمل المدنيين والعسكريين، تعكس حجم المأساة، لكنها لا تكفي لتوصيف حجم الانحطاط الأخلاقي الذي رافق سلوك ميليشيا الهجري التي زعمت أنها “تدافع عن كرامة السويداء”، بينما كانت تسحق كرامة الإنسان تحت أقدام الكراهية والانفصال.

تهجير العشائر.. وصوت الدروز المعارضين

وفي ظل الحصار الدموي الذي فرضته ميليشيا الهجري على المحافظة، تعرّضت عشرات العائلات من عشائر السويداء للتهجير القسري.
كثير من هذه العائلات لم يكن طرفاً في النزاع، بل ضحية لصراع فُرض عليها بالقوة والسلاح.

ومن بين المهجّرين، خرج أيضاً أفراد من الطائفة الدرزية نفسها، ممن رفضوا مشروع الهجري واعتبروا سلوكه خيانة لدماء الأبرياء ولتاريخ الجبل.
هؤلاء لم يجدوا أمامهم سوى الرحيل، بعد أن باتت مدنهم وقراهم خاضعة لحكم العصابة وسلطة الميليشيا.

من رفض الحوار إلى طلب العون من إسرائيل

الخطورة لم تكن فقط في مشهد الدم، بل في ما تلاه من تحرّكات خطيرة قادها الهجري، حيث رفض مراراً الانخراط بأي مبادرة للحوار مع الدولة، واتجه بدلاً من ذلك إلى طلب الدعم من إسرائيل، عبر وسطاء – بحسب مصادر متقاطعة – وهو ما يفضح حقيقة المشروع الانفصالي الذي يسعى إليه.

لم يكن الهجري ممثلاً لمطالب شعب، بل قائداً لذراع مسلح ابتلع المدينة، وفرض سطوته بقوة النار، وقوّض مؤسسات الدولة، وفتح باب الفوضى على مصراعيه.

الدولة حاولت.. لكن التعنت انتصر على العقل

رغم حجم التصعيد، لم تنجر الدولة السورية إلى معركة مفتوحة، بل أوفدت وسطاء، وأرسلت مبعوثين، وحاولت تجنّب الصدام المباشر. غير أن الميليشيا قابلت كل ذلك بالنار والكمائن، واستمرّت في بث خطاب الكراهية والانفصال، مطلقة على ما تقوم به اسم “النصر”، في وقت كانت فيه السويداء تنزف.

السويداء ليست رهينة.. والهجري ليس ممثلها

الواقع في السويداء ليس انتفاضة شعب، بل تمرد دموي تزعمه فصيل مسلّح يُمسك برقاب الناس، ويختطف قرارهم.
والمأساة لن تنتهي ما لم يُحاسَب كل من تورّط في قتل الأطفال، حرق الجثث، وإذلال الجنود.

السكوت عن هذه الجرائم لا يعني الحياد، بل مشاركة في استمرار النزيف.

السويداء ليست خارج التاريخ، وليست فوق الدولة. والكرامة لا تُبنى على جماجم الشهداء، ولا تُستردّ من خلال الحرق والتمثيل، بل من خلال العودة إلى دولة تحمي أبناءها، لا فصائل تُفنيهم.