من بين الدمار يبدأ الإعمار، مبادرات تعيد الحياة لأحياء حمص القديمة
يلا سوريا _ رنيم سيد سليمان
صرّح معاون محافظ حمص لشؤون المدينة القديمة، فارس الأتاسي، أن الواقع الخدمي في حمص القديمة سيء، وأن “البنية التحتية أقرب ما تكون إلى المتهالكة”.
ولفت الأتاسي إلى أن “آثار الدمار الناتج عن الحصار الذي فُرض على المدينة بين عامي 2012 و2014 لا تزال حاضرة حتى بعد مرور أكثر من عشر سنوات”.
وبرغم ما تعانيه الأحياء التاريخية من صعوبات، يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المبادرات المدنية والتطوعية في محاولات النهوض بالواقع الخدمي والبنية التحتية، وسط تحديات كبيرة تتطلب تضافر الجهود بين الفعاليات المجتمعية والمؤسسات الرسمية.
واقع متهالك وتحديات مالية وخدمية
كشف الأتاسي أن الوضع الخدمي في أحياء حمص القديمة يُصنّف بـ”السيء”، مع تدهور حاد في البنية التحتية، خصوصاً في شبكات الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، والاتصالات.
وذكر الأتاسي أن “الضرر الكبير الناتج عن القصف المكثف خلال سنوات الحصار جعل معظم البنية التحتية غير صالحة للاستخدام، بل وتشكل خطراً على سلامة السكان”.
وأضاف: “رغم مرور أكثر من عقد على انتهاء الحصار، فإن آثار الدمار لا تزال ماثلة في شوارع المدينة القديمة، من جدران مهدمة، وشوارع مهترئة، وشبكات مياه وكهرباء مقطوعة أو متهالكة، لكنّ التحدي الأكبر اليوم هو حجم الدمار، ما يستدعي ميزانيات ضخمة لمشاريع تأهيل حقيقية، وهو ما لا تتوفر له الإمكانيات الحالية”.
دور المبادرات التطوعية: بين التحديات والإنجازات
ظهرت مبادرات مجتمعية وفرق تطوعية كشريك أساسي في محاولات تحسين الظروف المعيشية.
وظهر فريق “يلا سوريا الشبابي” كأحد أبرز هذه الفرق، حيث نفّذ حملة تنظيف واسعة بالتعاون مع معاون المحافظ، شملت شوارع السيباط، ومحيط مسجدي النخلة والحسيني، وهي أبرز المواقع التاريخية والدينية في حمص القديمة.
قال حسن الأسمر، قائد الفريق، في حديثه لـ سوريا 24: “نؤمن أن المبادرات المجتمعية ليست بديلاً عن الدولة، لكنها حاضنة للانتماء، ومحفّز للفعل الإيجابي، وحلقة وصل بين المواطن والمؤسسات الرسمية”.
وتابع الأسمر حديثه: “الحملة لم تكن مجرد تنظيف، بل رسالة تأكيد على أن حمص القديمة تستحق أن تعود لجمالها، وأن أهلها قادرون على المبادرة حتى في أصعب الظروف”.
وأضاف أن أهمية هذه المبادرات لا تقتصر على الجانب الخدمي، بل تمتد إلى:
– تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية المجتمعية لدى الشباب والأهالي.
– الحفاظ على الهوية التاريخية للمدينة من خلال صون المعالم الأثرية.
– تحسين المشهد الحضري لجذب الزوار والسياح.
– نشر الوعي البيئي كسلوك يومي مستدام.
– تعزيز العمل الجماعي بين المتطوعين والجهات الرسمية.
التحديات التي تواجه العمل التطوعي
اصطدمت الفرق التطوعية بتحديات كبيرة رغم الحماسة والنتائج الملموسة، أبرزها:
– تراكم الأوساخ نتيجة سنوات من الإهمال.
– قلة المعدات والآليات اللازمة للتنظيف، ما يضطر الفرق إلى الاعتماد على الأيدي العاملة.
– صعوبة الوصول إلى الشوارع الضيقة والمتفرعة في المدينة القديمة.
– ضعف الوعي البيئي لدى بعض السكان، ما يؤدي إلى تكرار إلقاء النفايات بعد التنظيف.
– غياب خطط صيانة دورية تضمن استدامة النتائج.
وأوضح الأسمر أن “الحملات لا تنتهي بجمع القمامة، بل نسعى لبناء وعي دائم، من خلال ورش عمل، وحملات توعية، وبرامج تدريبية للشباب في مكتب الفريق بمنطقة باب هود”.
التنسيق بين الرسمي والمجتمعي: آلية عمل منهجية
بيّن معاون المحافظ فارس الأتاسي أن “التنسيق بين الجهات الأهلية والرسمية لم يعد ترفيهاً تنموياً، بل بات ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الخدمية”.
وشدّد على أن “المحافظة تلعب دور حلقة الوصل بين الجمعيات والفرق التطوعية من جهة، والمؤسسات الحكومية من جهة أخرى”.
وأكمل حديثه بالقول: “عندما تُعرض مشكلة خدمية من قبل جهة حكومية أو أهلية، نقوم بتقييم الواقع ميدانياً، ودراسة الحلول بالتشاور مع الجهات المختصة، ثم ننسّق مع الفريق التطوعي الأنسب لتنفيذ الحل”.
وأردف: “لدينا قاعدة بيانات شاملة تضم أكثر من 120 جمعية ومنظمة أهلية في حمص، ونعقد لقاءات تشاورية دورية لتحديد الأولويات وتوحيد الجهود”.
وأضاف أن “التعاون لا يقتصر على الجانب الخدمي، بل يمتد إلى المجالات الثقافية والسياحية، مثل تنظيم جولات تراثية، وإحياء التقاليد الحرفية، وتأهيل المواقع السياحية”.
هل ستُدمج المبادرات في الخطط الرسمية؟
جاء رد الأتاسي على سؤال حول إمكانية دمج المبادرات التطوعية في الخطط الرسمية طويلة الأمد بالتوضيح: “لا يوجد حالياً مخطط لدمج هذه المبادرات بشكل مؤسسي، وذلك حفاظاً على روحها الأهلية والاستقلالية التي تميّزها، لكننا نعمل على دعمها وتوجيهها وفق أولوياتنا الخدمية، من خلال التسهيلات اللوجستية، وتوفير التراخيص، ومتابعة التنفيذ”.
ولفت إلى أن “الدولة لا تستطيع أن تتحمل العبء وحدها، والمجتمع المدني أصبح شريكاً فعلياً في بناء المدينة من جديد”، مضيفاً: “نحن لا نستبدل الدولة، بل نكمل بعضنا البعض”.
نماذج ميدانية: من التنظيف إلى التأهيل
أطلق فريق “يلا سوريا” مبادرات متعددة، منها:
– تأهيل مدارس في الأحياء المتضررة.
– حفر آبار لتوفير مياه الشرب في ظل أزمة المياه المتفاقمة.
– تأمين إنارة للشوارع المظلمة.
– حملات دعم نفسي ولوجستي للأطفال الأيتام.
– برامج تدريبية للشباب في مجالات ريادة الأعمال، والمهارات الرقمية، والعمل المجتمعي.
ويرى الفريق أن هذه المبادرات “جزء من مشروع أشمل لبناء مجتمع متماسك، قادر على الصمود والنهوض”.
حمص القديمة بين الأمل والواقع
تسير حمص القديمة في مسيرة عودة بين الحطام والطموح. وبسواعد المتطوعين، وتنسيق رسمي داعم، ووعي مجتمعي متزايد، تُرسم معالم النهضة تدريجياً.
لكن التحديات ما تزال جسيمة، وتحتاج إلى خطط استثمارية طويلة الأمد، ودعم محلي ودولي، ورؤية تنموية متكاملة.
ففي حمص، لم يعد الحديث عن “إعادة الإعمار” مجرد شعار، بل أصبح عملاً يومياً، يبدأ بيد شاب يحمل كيس نفايات، وينتهي بخريطة تطوير تُرسم بالتعاون بين المواطن والدولة.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram