يلا سوريا – هيا عبد المنان الفاعور
شهدت الأيام الماضية ضجة إعلامية كبيرة بعد صدور قرار بإخلاء مساكن السومرية واعتراض القاطنين بها على عملية الإخلاء، بالتزامن مع مطالبات من أهالي معضمية الشام بإعادة المنطقة إليهم باعتبار ملكيتها تعود إليهم وتم استملاكها في ثمانينات القرن الماضي من قبل نظام الأسد.
تاريخ السومرية
استملك نظام الأسد أراضي المعضمية عبر مرسوم أصدره برقم 2431 عام 1985، الذي وضع إشارة استملاك على أكثر من 70% من أراضي معضمية الشام، بما في ذلك العقار رقم 3603.
وكان هذا العقار ملكًا لأهالي البلدة، ثم استُخدم لاحقًا لإقامة مساكن عسكرية وأمنية عُرفت باسم “السومرية”، نسبة إلى سومر “ابن رفعت الأسد” إضافة إلى كراج الانطلاق.
رغم بقاء الأسماء في السجلات العقارية، فإن إشارات الاستملاك منعت المالكين من البيع أو التصرف، فيما لم يحصل معظمهم على تعويضات أو حصلوا على مبالغ زهيدة جدًا مقارنة بالقيمة الحقيقية للأرض.
رفعت الأسد ينشئ المساكن العسكرية
في ثمانينيات القرن الماضي، شيّد رفعت الأسد (قائد سرايا الدفاع) مساكن لعناصره على أراضي المعضمية، وأطلق عليها اسم “السومرية” نسبةً إلى ابنه سومر.
وجاءت هذه الخطوة ضمن سياسة إحكام السيطرة حول دمشق وتوطين الموالين في مواقع استراتيجية.
وبعد خروج رفعت عام 1984 إثر خلافه مع حافظ الأسد، ورثت الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد نفوذ سرايا الدفاع في المنطقة، وحوّلت السومرية إلى مركز عسكري وأمني بارز.
تغيير ديموغرافي ممنهج
واصل النظام خلال السبعينيات والثمانينيات سياسة قضم أراضي المعضمية عبر مراسيم متتالية (2076 لعام 1975، 167 لعام 1976، 5 لعام 1981)، وصولًا إلى مرسوم 2431 لعام 1985.
بهذه المراسيم استملك النظام أكثر من 12,500 دونم دفعة واحدة، ثم توسع ليستولي على ما يقارب 85% من كامل مساحة البلدة (44,500 دونم).
وخسر الأهالي بذلك أراضيهم الزراعية التي كانت مصدر رزقهم الرئيسي، خصوصًا مزارع القمح والزيتون.
استملاك فجّر مظلومية أهالي المعضمية
أدى الاستملاك الجائر إلى تدمير النشاط الزراعي وتشريد آلاف العائلات من مصادر رزقها.
ورغم توصيات مجلس الشعب عام 1988 برفع الاستملاك عن المنازل والأراضي المزروعة بالزيتون، تجاهلت محافظة دمشق المطالب.
وقدّم الأهالي عشرات الاعتراضات، لكنهم اصطدموا بتعنت السلطات، واستمر الصراع العقاري حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث رفع أبناء المعضمية مطالبهم القديمة إلى جانب هتافهم بالحرية.
مواجهة التهجير والإنذارات بالإخلاء
منذ تموز 2024، أصدرت محافظة دمشق عبر لجنة الإسكان عدة إنذارات لقاطني مساكن السومرية لإخلاء منازلهم باعتبارها “مخالفات سكنية” لا يملكون سندات ملكية لها، بل مجرد “ملكية ساعة كهرباء أو ماء”.
تداولت مواقع التواصل وثيقة مزعومة من رئاسة الجمهورية تمنح السكان 72 ساعة فقط للإخلاء، لكن لم يُثبت صحتها لغياب التوقيع والتاريخ. بالمقابل، أكدت مصادر محلية أن الإخلاءات تُدار تدريجيًا عبر لجان، بإشراف عناصر الأمن الداخلي ما أثار احتجاجات ومخاوف من تهجير قسري جديد حسب زعم القاطنين بالمنطقة.
ملف مفتوح
مع سقوط النظام البائد في كانون الأول 2024، تجددت مطالب أهالي معضمية الشام باستعادة أراضيهم.
ورغم أن كثيرًا من ضباط النظام السابق والشبيحة فرّوا، فإن بعض السكان (خصوصًا من الساحل) تمسكوا بالبقاء بحجة عدم امتلاكهم بديلًا.
حتى الآن، لم تُسجَّل أعمال انتقام أو اعتداء على القاطنين، باستثناء إزالة الأكشاك المخالفة التي كانت تعود لضباط كبار.
السومرية عقدة فساد وتشبيح
طوال العقود الماضية، اشتهرت مساكن السومرية كمركز للشبيحة والفرقة الرابعة، ومنها خرجت مجموعات شاركت في قمع المظاهرات و”التعفيش”.
كما انتشرت فيها المخالفات التجارية وبيع الممنوعات، بحماية أمنية مباشرة.
وبحكم موقعها قرب مطار المزة العسكري وسجنه سيئ الصيت، صارت المنطقة رمزًا للقبضة الأمنية التي خنقت السوريين على مدى عقود.
قضية السومرية ليست مجرد إخلاء بيوت عشوائية، بل ملف تاريخي معقد يمتد منذ الثمانينيات، حين جرى الاستيلاء على أراضي معضمية الشام بمراسيم استملاك جائرة، وحُوِّلت إلى مساكن عسكرية أطلق عليها اسم ابن رفعت الأسد.
اليوم، وبعد سقوط النظام، يطالب الأهالي باسترداد حقوقهم وأراضيهم، فيما يبقى مصير القاطنين الحاليين معلقًا بين لجان حكومية وواقع اجتماعي معقد، يحتاج إلى حل عادل لا يكرر مأساة التهجير.
Facebook
Twitter
YouTube
TikTok
Telegram
Instagram